مفهوم الإسم

المعنى اللُّغويُّ:

الرَّحمةُ هي الرِّقَّةُ والتَّعطُّفُ، والاسمانِ مُشتقَّانِ من الرَّحمةِ على وَجْهِ المُبالغةِ. و (رحمن) أشدُّ مبالغةً مِن (رحيم)؛ لأَنَّ بناءَ (فعلان) أشدُّ مبالغةً مِنْ (فعيل)، ونظيرُهما نديمٌ وندمَانُ.

وفي كلام ابنِ جريرٍ ما يُفهمُ منه حكايةُ الاتِّفاقِ على هذا

واتَّفق أكثرُ العلماءِ على أَنَّ اسمَ (الرحمن) عربيٌّ لفظُه

وقال ابنُ الحصارِ بَعْدَ سرْدِهِ للحديث القدسيِّ: "أَنَا الرَّحْمَنُ؛ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَها اسْمًا مِنِ اسْمِي...": "فقد دَلَّ هذا الحديثُ الصحيحُ على الاشتقاقِ، فلا معنى للمُخالفةِ والشِّقاقِ"

وقال ثعلبٌ: "إِنَّه عِبْرانيُّ الأَصْلِ، وكان رخمانا بالخاءِ المُعجمة

أما إنكارُ كُفَّارِ قريشٍ يومَ الحُديبيةِ لما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: "اكْتُبْ: بِسْمِ الِله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فقال سُهيل: أَمّا (الرحمن) فواللهِ ما أدري ما هي، ولكن اكتُبْ: باسمِكَ اللهُمَّ، كما كنتَ تكتبُ[5]، وفي قولِه تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60].

فالظاهرُ: أَنَّه إنكارُ جحودٍ وعنادٍ وتعنُّتٍ، ومما يدُلُّ على أنهم كانوا يعرفون هذا الاسم قوله تعالى حكاية عنهم: ﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾ [الزخرف: 20].

وقَدْ جاءَ في بعضِ أشعارِ الجاهليةِ، كقول سلامة بن جندب الطهوي: عَجِلْتُمْ عَلَيْنَا إِذْ عَجِلْنَا عَلَيْكُمُ ♦♦♦ وَمَا يَشَأِ الرَّحْمَنُ يَعْقِدْ ويُطْلِقِ

وقد ردَّ ابنُ جريرٍ بشدَّةٍ على مَنْ قال: إِنَّ العربَ كانت لا تعرِفُ (الرَّحمنَ)، فقال: "وقد زعمَ أهلُ الغباءِ أَنَّ العَربَ كانت لا تَعرِفُ الرحمنَ" اهـ، وبَيَّنَ أَنَّ ذلك كان جحُودًا

ماورد فيه من القرآن

قال تعالى

﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾

(البقرة : 136)

ماورد فيه من السنه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طَمِع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد»

متفق عليه

ماورد فيه من أقوال

أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (الرحمن) والفرق بينه وبين (الرحيم): 

1- قال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن (الرحمن) و (الرحيم): هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر.

وَحكى عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: " الرَّحْمَن ": الرفيق بالعباد، و " الرَّحِيم " العاطف عَلَيْهِم.

وعن ابن عباس قال: أول ما نزل جبريل على محمد- صلى الله عليه وسلم- قال له جبريل قل يا محمد بسم الله. يقول: اقرأ بذكر ربك وقم واقعد بذكره بسم الله الرحمن، قال يقول: الرحمن: الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب.

2- وقال مجاهد -رحمه الله-: الرحمن بأهل الدنيا الرحيم بأهل الآخرة.

وفي الدعاء: يا رحمن الدنيا يا رحيم الآخرة.

3- وقال الضحاك -رحمه الله-: الرحمن بأهل السماء حيث أسكنهم السموات وطوقهم الطاعات، وجنبهم الآفات، وقطع عنهم المطامع واللذات، والرحيم بأهل الأرض حيث أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب.

4- وقال عكرمة -رحمه الله-: الرحمن برحمة واحدة، والرحيم بمائة رحمة.

5- وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أجاب والرحيم إذا لم يسئل غضب.

6- قال عطاء الخراساني: كان الرحمن، فلما اختزلَ الرحمن من اسمه كان الرحمنَ الرحيمَ. 

والذي أراد، إن شاء الله، عطاءٌ بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمَّى بها أحد من خَلْقِه، فلما تسمَّى به الكذابُ مسيلمة - وهو اختزاله إياه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه "الرحمنُ الرحيمُ" ليفصِل بذلك لعباده اسمَهُ من اسم من قد تسمَّى بأسمائه، إذ كان لا يسمَّى أحد "الرحمن الرحيم"، فيجمع له هذان الاسمان، غيره جلّ ذكره. وإنما يتسمَّى بعضُ خَلْقه إما رحيما، أو يتسمَّى رَحمن. فأما "رحمن رحيم"، فلم يجتمعا قطّ لأحد سواهُ، ولا يجمعان لأحد غيره. فكأنّ معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فَصَل بتكرير الرحيم على الرحمن، بين اسمه واسم غيره من خلقِه، اختلف معناهما أو اتفقا.

والذي قال عطاءٌ من ذلك غيرُ فاسد المعنى، بل جائز أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتسمية بهما معًا مجتمعين، إبانةً لها من خلقه، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعينِ أنه المقصود بذكرهما دون مَنْ سواه من خلقه، مع مَا في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما.

7- قال أبو بكر محمد بن عمر الوراق: الرحمن: بالنعماء وهي ما أعطي وحبا، والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى.

وقال أبو بكر الوراق أيضا: الرحمن بمن جحده والرحيم بمن وحده، والرحمن بمن كفر والرحيم بمن شكر، والرحمن بمن قال ندا والرحيم بمن قال فردا.

8- قال محمد بن علي المزيدي: الرحمن بالانقاذ من النيران، وبيانه قوله تعالى: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، والرحيم بإدخالهم الجنان، بيانه: ادخلوها بسلام آمنين.

9- قال المحاسبي: الرحمن: برحمة النفوس، والرحيم برحمة القلوب.

10- قال السري بن مغلس: الرحمن بكشف الكروب، والرحيم بغفران الذنوب.

11- قال عبد الله بن الجراح: الرحمن بالطريق، والرحيم بالعصمة والتوفيق.

12- قال مطهر بن الوراق: الرحمن بغفران السيئات وإن كن عظيمات، والرحيم بقبول الطاعات وإن كن [قليلات].

13- قال يحيى بن معاذ الرازي: الرحمن بمصالح معاشهم، والرحيم بمصالح معادهم.

14- قال الحسين بن الفضل: الرحمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر، والرحيم الذي يرق وربما لا يقدر على الكشف.

يراجع: (الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، للجيلاني 1/223 – 225)، (نزهة المجالس ومنتخب النفائس، للصفوري 1/26 – 27)، (تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم 1/25)، (تفسير الطبري، 1/130)، (تفسير الثعلبي، 1/100 – 101)، (تفسير السمعاني، 1/33).

ملفات صوتية

# العنوان المؤلف تشغيل
1

اسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ محمد راتب النابلسي
2

نشيد أسماء الله الحسني

الشيخ مشارى العفاسي

بطاقات

...